الدراسات
سبتمبر 2025

تحوّلات الحُبّ في ثقافة المجتمع السعودي

تتناول الدراسة موضوع تحولات الحب في المجتمع السعودي، محاولةً الاقتراب منها عبر عينة من الأغاني المختارة للفنان محمد عبده، التي توضح شكل الحب وتغيّره وتبدّله من حالاته الصلبة إلى السائلة وتخلص إلى نتائج وتوصيات في الختام.

مصدر الصورة:
قد تواجه بعض المشاكل في التصفح عبر الجوال عند وجود جداول في المنشور، ولتصفح أفضل ؛ ننصحك بالتصفح عبر شاشة أكبر أو التصفح بعرض الشاشة.

مُلَخَّص

هدفت هذه الدّراسة إلى التعرف على التحوّلات التي طرأت على الحبّ في ثقافة المجتمع السعودي، واستخدمت منهج تحليل المحتوى وأداة تحليل المحتوى وطُبقت على عينةٍ من الألبومات الغنائية السعودية للفنان محمد عبده، وبلغَ حجمُ العينة (90) أغنية، وتوصّلت إلى عدة نتائج منها: أنَّ من مظاهر الحُبّ الصلب في ثقافة المجتمع السعودي كما تعكسها الأغنية السعودية في الفترة (1960- 2023) ما يتمثل في تعزيز قيمةِ الصراحة مِن خلال الإفصاح عن المشاعر والتحديات تعزيزًا عاليًا، فقد تمثلت أعلى نسبة لدى أغاني جيل الألفية، وانخفضت لدى بقية الأجيال لتأثرهم بثقافة المجتمع التي تشجع على كتمِ المشاعر، مما يسهمُ في تشكيل نمط الحبّ الخياليِ الروُّمانسي، وتعزيز قيمة الصبر تعزيزًا نادرًا، حيث كانت أعلى نسبة لدى أغاني جيل الثمانينات وانخفضت لدى جيل الألفية، وبيَّنت النتائج أنَّ من مظاهر الحبّ السائل في ثقافة المجتمع السعودي كما تعكسها الأغنية السعودية في الفترة (1960- 2023) ما يتمثل في تعزيز الروابط الفضفاضة تعزيزًا عاليًا، فقد جاءت أعلى نسبة لدى أغاني جيل الألفية، وجاءت النسبةُ الأدنى لدى جيل السبعينات، ولم تظهر في الستينات، وتعزيز نمط العلاقات الغامضة تعزيزًا متوسطًا حيث جاءت أعلى نسبة لدى أغاني جيل الألفية مما يؤكد على أنّ الأغاني جسَّدت حالة الحبّ في الحياة المعاصرة التي كشفت عن عولمة الحبّ وتغير مفاهيمه وأكَّدت هشاشة العلاقات في عالم الميوعة، -كما وصفه العالم باومان- نسبيًا.

كلمات مفتاحية: تحولات. الحب. ثقافة. المجتمع السعودي. الأغاني السعودية.

مقدِّمة

تُعد العواطفُ جزءًا أساسيًا لدى الأفراد، فهي تؤدي دورًا وظيفيًا مهمًا في العلاقات الاجتماعية؛ إذ تعزز الترابط والتكافل الاجتماعي مِن خلال العواطف الإيجابية كالحب، وتعكس احتياجاتِ الأفراد والمجتمعات من خلال العواطف السلبية، كالخوف والغضب. وتتباين الثقافاتُ في التعاملِ مع العواطف، فهناك مجتمعاتٌ تميل إلى قمع التعبير العلني عن العواطفِ على أحدِ الجنسين دون الآخر، وعلى النقيضِ من ذلك هناك المجتمعاتُ التي تشجعُ التعبيرَ عنها، لذلك فإنّ السياقاتِ الثقافيةَ المحيطة تمثل مصدرًا لفهم العواطف في مجتمعٍ ما.

وقد اتَّخذ الحبُّ أهميةً كبرى لدى الفلاسفة والمفكرين منذ القِدم؛ باعتباره قوةً محركةً للعلاقات، ومثارًا للأحاسيس العميقة في القلوب، ومصدرًا للإلهام والشغف والتحوّل في حياة البشر، وقد أكَّد ستيفي جاكسون أنّ الحب عمليةٌ تُسهم في البناء الثقافي للعواطف، ووسيلةٌ يشارك الأفراد من خلالها في إنشاءِ إحساس مشترك بما فيها العواطف (Jackson.1999:101).

وبالرغم من أهميةِ عاطفة الحبّ، إلا أنها عُدت من القضايا السوسيولوجية المهملة، فبعضُ علماء الاجتماع لا يؤمنون كثيرًا بالإدراك الحسّي؛ بسبب اعتقادهم بأنّه يرتبط بتخصصاتٍ أخرى كالفلسفة، وبمنأى عن السوسيولوجيا التي تهتم بالجماعات والمؤسسات (عبد الإله، 2022). إلا أن ارتباطَه بالسوسيولوجيا اليوم غَدَا أكثر عمقًا، فدراسةُ عاطفة الحبّ قد تسهمُ في تقديم فهم أكثر تأصيلًا للديناميات الاجتماعية والثقافية، ومِن خلالها يمكن استشفاف تغيراتٍ هيكلية في البناء والتكوين الاجتماعي.

واحتل الحبّ مكانةً جوهريةً في الأغاني والفنونِ الشعرية، لدى الشعوب قاطبةً والعربية خاصة، فالأغنيةُ الشعريةُ تُعدّ رمزًا من رموز الثقافة وأهمَّ وسيلة للتعبير في الفنِّ الأدبي العربي، وتتجلى أهميتُها في قدرتها على الإفصاح عمَّا يخالج الإنسان من أحاسيس وتجارب وجدانيةٍ لا يستطيع الكشف عنها، لاسيّما في المجتمعات التقليدية التي تميلُ إلى عدمِ التصريحِ عن المشاعر علانية والسكوت عن موضوعات كالحب والجنس وغيرها، وتعتبرها خرقًا لعاداتِ وتقاليدِ المجتمع، ومن بين هذه المجتمعات، يأتي المجتمعُ السعوديُّ الذي خصَّصَ عاطفةَ الحبّ وأباحها على الشعراء حصرًا لأنها تعامل بوصفها تقاليد أدبية لا حقيقة (عبدالرحمن، 2020) وبالرغم مِن التحولاتِ التي مَرَّ بها المجتمع السعودي إلا أنَّ الأغنية الشعرية ظلت محتفظةً بمكانتها ودورها في الكشفِ عن مكنونات الأفراد ورؤاهم المرتبطة بالحب، ونظرًا للتغيّرات التي طرأت على المجتمعِ والتحدِّيات والفرص الجديدة التي يواجهها الأفرادُ في العلاقاتِ العاطفية المعاصرة والتي قد تؤثرُ على تعبيرِهم ونظرتهم للحبّ، فقد جاءت الحاجة لرصد وتوثيق التحوّلات التي طرأت على الحبّ في ثقافة المجتمع السعودي.

مشكلة الدراسة

قد طال التغيّرُ في المجتمعِ السعودي بعضَ الجوانب غير المادية مما قد يؤدّي إلى حدوثِ بعض التحوّلات في مفهوم العلاقات الاجتماعية وتبدّلِ بعضِ المفاهيم العاطفية المقترنة بها كمفهوم الحب؛ فعواطفُ الكائنِ الاجتماعي تتشكّل اجتماعيًا وثقافيًا وأيّ تحول يطرأُ على النسق الثقافي فهو يؤثرُ على العواطف ويعيد تشكيلها وفقًا للمرحلةِ التاريخيةِ التي يعيشها المجتمع.

وقد أكَّد عالمُ الاجتماع جيدنز أنّه من بين جميعِ التغيّرات المطّردة في العالم لا تغير يكتسبُ أهميةً كبرى مثل التغيرٌّ الذي يطرأ على العلاقات الاجتماعية، فهي تعملُ على استبدالِ العواطف الدافئة إلى الباردة، وتعزِّز ديموقراطية العواطف؛ لأنها تمنحُ الأفرادَ القدرةَ على نسج العلاقات، وفي ذات الوقت تتيح إمكانيةَ إلغاء العلاقات العاطفية، ففي أزمنةٍ سابقة اتَّسمت الروابط العاطفية خاصةً الحب بنوعٍ من الصلابة التي أكَّدها باومان، فكان يُنظر في الماضي إلى الحبِّ بعقليةٍ طويلةِ الأمد، فهو يهدفُ إلى إيجادِ علاقاتٍ متبادلة يحقق فيها الطرفان مصالحَهما ليحافظا على وجودهما ويحميا بعضَهما من الأزمات التي قد تؤدي إلى الفراق، أما الحب في الحالةِ السائلة فقد جاء بعقليةٍ مغايرة، عقلية قصيرة الأمد، إذ لم يعد الشريكان يتوقعان البقاء معًا أبد الدهر(عبد الإله، 2019).

وقد جاءت الإحصائياتُ التي توضح أنّ اضطراب قلق الانفصال يتصدر القائمةَ بنسبةٍ بلغت (11.9%) وهو أكثر الاضطرابات شيوعًا في السعودية (مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة، 2019). وعليه فإن التغير في مفهوم الحب في المجتمع السعودي قد يؤدي إمَّا إلى تسليعِه وتشييئه كما تفترضُ نظرية الحداثة السائلة وإما إلى تماسكِه وصلابته، وذلك مِن خلال ما قد تجسِّده الأغاني السعودية عبر مراحل تاريخية مختلفة، وما قد ترصده من تغيرات تطرأُ على مفهومِ الحب، ومن هنا ظهرت فكرةُ الدراسة في الإجابة عن السؤال الآتي: ما التحوّلات التي طرأت على الحبّ في ثقافةِ المجتمع السعودي؟

أهداف الدراسة

تستندُ الدراسةُ على هدفٍ رئيس وهو: التعرفُ على التحوّلات التي طرأت على الحبّ في ثقافة المجتمع السعودي، ويمكن التحققُ من هذا الهدف من خلالِ الأهداف الفرعية التالية:

1.   الكشف عن مظاهر الحُبّ الصلب في ثقافة المجتمع السعودي كما تعكسها الأغنية السعودية في الفترة (1960-2023).

2.   الكشف عن مظاهر الحُبّ السائل في ثقافة المجتمع السعودي كما تعكسها الأغنية السعودية في الفترة (1960-2023).

تساؤلات الدراسة

ترتكزُ الدراسة على تساؤلٍ رئيس وهو: ما التحوّلات التي طرأت على الحبّ في ثقافة المجتمع السعودي؟ ويمكن الإجابة عن هذا التساؤل من خلال التساؤلات الفرعية التالية:

1.   ما مظاهر الحبّ الصلب في ثقافةِ المجتمع السعودي كما تعكسها الأغنيةُ السعودية في الفترة (1960-2023) خاصة فيما يتعلقُ بالإخلاصِ والتضحية والصبر؟

2.   ما مظاهر الحبّ السائل في ثقافة المجتمع السعودي كما تعكسها الأغنية السعودية (1960-2023) خاصةً فيما يتعلق بالاستغناء والقلق والغموض؟

أهمية الدراسة

1.   الأهمية النظرية:

‌أ-     تتجلَّى أهميةُ هذه الدراسة في تناول ظاهرةِ الحب في ثقافة المجتمع السعودي، حيث تكمن حداثةُ الظاهرة في دراسة تحوّلات الحبّ في ثقافة المجتمع السعودي كما تعكسها الأغنيةُ السعودية.

‌ب- تستمدُّ هذه الدراسة أهميتها كونها تحلل أنماطَ الحبّ الحديثة في ثقافة المجتمعِ السعودي بالاعتمادِ على الأطر النظرية والمنهجية في علم الاجتماع.

‌ج-  نظرًا لندرةِ الدراساتِ الاجتماعية العربية والسعودية ولقلّة التوجهِ في إجراء دراساتٍ في علمِ اجتماع العواطف والحاجة لإجراء دراسات تُركّز على الجوانب الثقافية والعاطفية في العلاقاتِ الاجتماعية من الناحية السوسيولوجية قد تمثّل هذه المحاولةُ إضافةً لميدان الدراسة في علم اجتماعِ العواطف وعلم الاجتماع الثقافي، وتُسهم في إثراءِ المكتبات العلمية، وتفيدُ الباحثين الاجتماعيين.

2.   الأهمية العملية:

‌أ-     قد تفيدُ في الوصول إلى رؤيةٍ علمية واضحة من خلال تطبيقِ الدراسة التي تركزُ على تحوّلات الحب في ثقافة المجتمع السعودي.

‌ب- تكثيفُ الجهود في إجراءِ الدراسات والأبحاث من قبل الباحثين في علم اجتماع العواطف وعلم الاجتماعِ الثقافيِّ إلى الدراسةِ المتعمّقة للحبّ في ثقافةِ المجتمعِ السعودي لفهم التغيّر الذي طرأَ على أنماط وقيم الحب في العلاقاتِ الاجتماعية، وبذلك قد تُمهّد الطريقَ للباحثين إلى تناول ظاهرة الحب والتركيز على الفروع الحديثة في علم الاجتماع.

‌ج-  تتجلَّى أهميةُ هذه الدراسة من خلال النتائج التي سوف تتوصّلُ إليها، والوقوف على ظاهرةِ الحب حتى يتسنَّى للمؤسسات والجمعيات والعيادات الحكومية وغير الحكومية المعنيّة بمجالِ العلاقاتِ الاجتماعية فهمَ تأثيرِ ثقافة المجتمع في تشكيل العواطف ووضعَ الخطط للتعامل مع الأفراد وفقًا للمجتمع والزمن المعيش.

النظريات المفسرة للدراسة

-نظرية الحداثة السائلة (liquid modernity):

ظهرتْ النظريةُ عام (1925-2017) بوصفها أحدَ نظرياتِ ما بعد الحداثة على يد العالم زيجمونت باومان، وهي تُعنى بفهمِ وتفسير التحوّلاتِ الاجتماعية في المجتمع المعاصر في المرحلةِ التي أعقبت الحربَ العالمية الثانية، وقد اُستخدم مصطلحُ الحداثةِ الصلبة والحداثة السائلة للتعبير عن مرحلتين متميزتين لوصفِ التغيراتِ الاجتماعية والثقافية من عصرِ التنوير وحتى عصر ما بعدَ الحداثة (نهي، 2020) وقد أكَّد باومان على تحوّل بعض المفاهيم الأساسية كالثقافةِ والحداثة والحب والأخلاق من حالةٍ صلبة ومتماسكة ومنظمة إلى حالةٍ من الذوبان والتَّراخي في الملامح والتداخل في الحدود نتيجةً لاتحاد عوامل كالعقلانية والبيروقراطية وسيطرةِ الرأسمالية والعولمة وغيرها (طه، آسية، 2022) وأكد على أنَّ العلاقاتِ الاجتماعيةَ في زمن السيولة انتقلت من علاقاتٍ تقومُ على الحب المؤسس على قيم صلبة كالوفاء والإخلاص والتضحية والروابط الأبدية التي لا يفرّقها إلا الموت، إلى الحبّ تحتَ شعار الرغبة، والذي يُبنى على خياراتٍ آنية سريعة تحكمها وتنهيها الرغبةُ وحبّ الإشباع والاستهلاك الآني، واستلب منها الاستقرار مقابلَ ترسيخ السيولة، ممَّا زاد الإنسانَ المعاصر قلقًا وغرقًا في حياة الاستهلاك، ولعل ذلك عزَّزَ الحبَّ الافتراضي الذي جعله أكثر هشاشة، يولد ويختفي وفقَ معيار الرغبة وتعلوه المتعة، الترفيه الوقتي (باومان، 2016).

ويمكن توظيفُ هذه النظرية في موضوع الدراسةِ الحالية باعتبار أنّ التحوّلات الاجتماعية والثقافية التي طرأت على المجتمع السعودي قد أدَّت إلى تغير مفهومِ الحب وقيمه، فقد يكون تحول من حالةٍ صلبةٍ إلى حالة سائلة، حيث يتمثل الحب الصلب لدى الأفراد الذين لديهم قيم الصبر والإخلاص والتضحية والصراحة، ويحققون مصالحَهم المشتركة للبقاء معًا ولتفادي الأزمات التي تؤدي بهم إلى الفراق، كما أنَّه في ظل التطوُّر والتقدم أصبح الأفراد أكثر تفككًا واستقلالية عن بعضهم البعض، والذي مكَّن من إنهاء الروابط في أي وقت، مما أدى إلى ظهور أنماطٍ حديثة للحب كالحب الافتراضي، والحب في إطار علاقاتِ الجيب العلوي، وبذلك تمثَّلت قيم الحب السائل في: الروابط الفضفاضة والقلق والغموض والاستغناء.

الدراسات السابقة

- دراسة نظرية (مرام، 2023)، بعنوان: أنماط الحب المعاصرة في العلاقات الزوجية من منظور بعض علماء علم اجتماع العواطف

هدفت إلى معرفةِ أنماط الحب المعاصرة في العلاقات الزوجيّة من منظور بعض علماء علم اجتماع العواطف، من قبيل زيجمونت باومان، أولريش بك، إيفا إلويز، وتوصَّلت الدراسةُ إلى عدة نتائج: أن نمط الحب السائل في العلاقات الزوجية يتمثّلُ في تجربةِ الحب الهشّة التي يمر بها أحد الزوجين، مما يجعله يُقدم مصالحه ورغباتِه على الاستمرار في العلاقة، ويقود في نهاية الأمر للانفصال، بالإضافةِ إلى ميل أحد الشريكين للتعاملِ مع الطَّرف الآخر كما لو كان منتَجًا استهلاكيًا، فتدفعه قلّة استفادته من المنافع التي يكتسبها منه سواء كانت ماديةً أو شكليةً أو جسدية، إلى إنهاء العلاقة، وأنَّ الحب الخيالي يتمثل في تجربة الحب التي يمر بها أحد الزوجين تجاه الآخر، نتيجةً للتصورات الرومانسية التي نشأت في مخيلته بفعل المصادر الإعلامية المختلفة، وربما تسبب له خيبةَ أملٍ عندما لا تتوافق مع الواقع.

- دراسة (همت، 2022)، بعنوان: مفهوم الحب في ظل الحداثة السائلة، دراسة من منظور البنيوية التكوينية عند لوسيان جولدمان

هدفت إلى معرفةِ التغيّر الذي طرأَ على مفهوم الحب في ظلِّ الحداثةِ السائلة كما يتناوله الأدبُ المصري من منظور البنيوية التكوينية عند لوسيان جولدمان، والتعرف على الكيفيةِ التي تناول بها الأدبُ الروائي مفهومَ الحب، وعلى مظاهرِ الحبِّ من الصلب إلى السائلِ في نصوص عيّنة الدراسة، والتعرّف على رؤى العالم التي يطرحها الأدبُ الروائي حول الحب بوصفه ظاهرةً اجتماعية، واعتمدت الدراسة على المنهج البنيوي التكويني، واستخدمت أداة تحليل المحتوى، وتكوّن مجتمعُ الدراسة من الروايات المصرية التي عالجت موضوعَ الحب، وتكوّنت العينةُ من روايتين هما "ربيع الشتات" للكاتب (سراج منير) ورواية "ن" للكاتبة (سحر الموجي) وتوصّلت الدراسةُ إلى عدّة نتائجَ منها: أنّ صورَ الحب تنوَّعت ومن ضمنها الحب الرومانسي، والصداقة بديلًا عن الحب، والحب في إطارِ الزواج، كما كشفت الدراسة عن أنماطٍ جديدة من الحبِ السائل في الخطاب الروائي تتمثلُ في نمط الحب الافتراضي والحب في إطارِ علاقات الجيب العلوية  كذلك تشيؤ الحبِ وتسليعه، كما كشفت عن اختلافِ رؤى العالم عند كلٍّ من الرجل والمرأة حول الحب، فجاءت حالمةً مثاليةً ورومانسية لدى المرأة، بينما ارتبطت عند الرجل بنظرتِه العملية للحياة.

- دراسة نظرية (حنان، 2022) بعنوان: الأسرة النواة في زمن العلاقات الاجتماعية السائلة

هدفت إلى التعرّف على تأثير تداعي العلاقاتِ الاجتماعية في عصرِ العلاقات الاجتماعية السائلة وتأثيرها على الأسرة، واعتمدت على المنهجِ الوصفي، وتوصَّلت الدراسةُ إلى العديد من النتائج ومن أهمِّها: أنَّ تداعياتِ العلاقات الاجتماعية السائلة قد أثَّرت بشكل كبير على شكلِ الأسرة والتحوّل الحاصل في نظام القرابة، وأصبحت الأسرُ أكثرَ هشاشةً وعرضةً للتفكك نتيجةَ استغناء الأفراد عن الروابط الاجتماعية والأخلاقية واكتفائهم بذواتهم، وتركُّز اهتماماتِهم على معايير استهلاكية وقتية كالوضعِ المادي والشكل الخارجي، حيث أثرت المعايير الاستهلاكية الحديثة في نظرة الأفراد للعلاقات الاجتماعية والأسرة.

- دراسة (لطفي، 2018) بعنوان: أنواعُ الحبّ في ضوء بعض المتغيراتِ الديموغرافية

هدفت إلى معرفةِ الحبّ بوصفه قيمةً مركبة وعلاقة بين طرفين قائمة على المعرفةِ والإرادةِ والالتزام، واعتمدت على منهج المسحِ الاجتماعي، واستخدمت مقياسًا للحب، وتكوّن مجتمعُ وعينةُ الدراسة من طلبة الدراسات العليا بكلية التربية بجامعة المنوفية بلغت (95) طالبًا وطالبة، وتوصّلت إلى عدة نتائج منها: أنَّ التنشئةَ الاجتماعية والمناخ الأسري يقومان بدورٍ مهم في نسق قيم الحب لدى الأفراد.

تعقيب على الدراسات السابقة

تتفقُ الدراسةُ الحالية من ناحية الهدف مع دراسة كلٍ من (همت، 2022) و (حنان، 2022) و (مرام، 2023) و (لطفي، 2018) في التطرّق إلى الحبّ والعلاقات الاجتماعية. وتتفقُ في المنهج وهو منهج تحليل المحتوى مع دراسة (همت، 2022)، وتختلف مع دراساتِ كلٍ من: (حنان، 2022) و (مرام، 2023) لأنها دراساتٌ نظرية، ودراسة (لطفي، 2018) التي اعتمدت على منهجِ المسح الاجتماعي. واتفقت الدراسةُ الحالية في الأداة مع دراسة (همت، 2022) التي اعتمدت على استمارة تحليلِ المحتوى، بينما اختلفت مع دراسة (لطفي، 2018) التي استخدمت مقياسًا للحب، ودراسة كلٍ من (حنان، 2022) و (مرام، 2023) فلم تحتوِ أيٌ منها على أداة، واتفقت في وحدةِ التحليل مع دراسة (همت، 2022) التي ركّزت على وحدة الرواية، بينما تناولت الدراسة الحالية وحدةَ الأغنية لرصد التحولات التي طرأت على الحب، واختلفت مع دراسات كلٍ من (حنان، 2022) و(مرام، 2023) و (لطفي، 2018) التي ركَّزت على الإناث والذكور.

أدبيات الدراسة

- تحوّلات الحُبَّ في ثقافة المجتمع السعودي

لطالما كانت الأغاني أداةً رائجةً للتعبير عن المشاعر والتجارب الإنسانية، كما أنها وسيلةٌ لاستقراء التغيرات والتحولات الثقافية والاجتماعية، إذ تعكس تطلعاتِ ورغبات الأفراد وتعبرُ عن آمالهم ومعاناتهم، كما تسهمُ في تأطير وتعريف تجربة الحبّ، فهي توفر لغةً وصفيةً وتشبيهيةً للتعبير عن المشاعر المرتبطة بالحبّ والتي قد يصعبُ التعبير عنها بوضوح، فالأفراد يميلون إلى التعبيرِ عن الشعور بالحبِّ ببعض الكلمات مثل "مريح" و"دافئ" مقارنةً بالتعبير المباشر، وغالبا ما يُمثَّل الحب في تشبيهات محددة تتعلق بدرجة الحرارة والحالة الجسدية، هذه التشبيهات هي طرقٌ ملموسةٌ لوصف الحب، وتشكل لغةً وصفيةً لتحديد كيفية تمظهرِ شعور الحب في أجساد الأفراد (Paul.2005).

ويؤكد زيجمونت باومان (Zygmunt Bauman) على وجودِ تحوّلات طرأت على مفهوم الحُبّ في المجتمعات المعاصرة، ويميّز بين نمطين رئيسين للحب: الحبُّ الصلب والحب السائل، حيث يتسمُ الحبُ الصلب (soiled love) بالاستقرارِ والالتزام طويل الأمد. فهو نوعٌ من الحب المؤسسي، مرتبطٌ بمؤسسات اجتماعية كالزواج والأسرة، ويتوقعُ الطرفان الالتزامَ والولاء المتبادل والتضحية من أجل العلاقة، كما يتطلبُ هذا النوعُ جهدًا كبيرًا لتأسيسه وصيانته، بينما يتميز الحبُّ السائل (liquid love) بالمرونة والقابلية للتبدّلِ بسهولة، ويعكس التغيرات الحديثة في الأنماط العاطفية، فهو حبٌ ما بعد حداثي، يتّسم بالسطحية، ولا يتوقع الطرفان فيه التزامًا طويل الأمد، بل يتعاملان مع العلاقةِ بمنطق السّوق والاستهلاك. وهو حب يمكن إنهاؤه بسهولة، دون تحملِ أيّ تكاليف نفسية أو اجتماعية. ويرى باومان أنَّ التحولَ من الحب الصلب إلى الحب السائل يعكس التحولاتِ الاجتماعية والثقافية الأوسع في العصر الحديث، كانهيار المؤسساتِ التقليدية من قبل الأسرةِ والزواجِ نتيجةً لظهور الحبّ السائل الذي يرتبطُ ظهوره بانتشار العمالة المؤقتة وعدم الاستقرار الوظيفي، وهو ما أثَّر على سلوك الأفراد وجعلهم أقلّ قدرةً على الالتزامِ والاستثمار في علاقات طويلةِ الأمد، وبدلاً من ذلك، باتوا يتعاملون مع الحبَّ كسلعة قابلة للاستهلاك والتبديل (باومان.2016) وفي ضوء ذلك فقد كانت العلاقاتُ العاطفية في المجتمع السعودي تتسمُ بالصلابة والاستقرار، حيث كانت تعتمد بشكلٍ كبير على القيم التقليدية مثل الالتزامِ العائلي والوفاء. ومع العولمة بدأ نمطٌ جديدٌ بالظهور حيث شهد المجتمع السعودي نتيجةَ زيادة الانفتاح على الثقافات الأخرى عبر وسائلِ الإعلام والتكنولوجيا الحديثة، تحولاتٍ ملحوظةً في مختلف القطاعات والأنساق، بما في ذلك التحول نحو اقتصادٍ متنوع وزيادةِ مشاركة المرأة في القوى العاملة، مما قد يُسهم في إحداث تغيراتٍ على مستوى القيمِ والعادات الاجتماعية حيث أصبح الأفرادُ يركّزون أكثر على تحقيق الذات والنجاح المهني، مما قد يؤدي إلى حدوثِ تغيرات في ديناميكيات العلاقات العاطفية قد يؤثّر على نماذج الالتزام في العلاقات، وقد يشمل ذلك تغيراتٍ في نماذج العلاقات العاطفية وكيفية التعبيرِ عن الحبّ خاصةً في مجالات التواصل الاجتماعي حيث استُحدثت تطبيقاتٌ مبتكرةٌ للتواصل الاجتماعي بهدفِ الإشباع الفوري للحاجات، ممّا سهّلَ الاتصالَ السريع والعلاقات العابرة مقارنةً بالسابق، ومن المعروف أنَّ المجتمع السعودي، كغيره من المجتمعات العربية الإسلامية، يتسم بطابعٍ محافظ وتقليدي حيث لا تزال المؤسسات الاجتماعية الأساسية كالأسرة والزواج محوريةً في الحياة اليومية، إلا أنَّ هذا الواقعَ بدأ يشهدُ تحولاتٍ مهمة نتيجةَ عدة عوامل ومنها: العولمة والتحضر وانتشار التقنيات الحديثة، هذه التحولات قد تخلقُ نوعًا من الصراع بين القيم التقليدية والأنماط الحديثة للعلاقات الشخصية والعواطف، فمفهومُ الحب باعتبارِه أحدَ أبرزِ المظاهر العاطفية والاجتماعية يُعد جانبًا مهمًا لفهم الواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمع السعودي المعاصر. وتتضمن الأغاني السعوديةُ مواضيع تعبّر عن أنماط الحب المختلفة، مثل الحب العابر والعلاقات المؤقتة والبحث عن الهوية الشخصية، لذلك فإنّ الأغاني قد تعكس التأثيراتِ الثقافية للعولمة وكيفية تفاعل الأفراد معها، كما قد تُظهر الصراعَ بين القيم التقليدية والقيم الحديثة لدى مختلف الأجيال لا سيّما جيل الشباب، مما يخلقُ نوعًا من الحوارِ بين الأجيال وربما بين الجيلِ الواحدِ الذي قد يتأثر بعضُ أفراده بالتغيرات الحاصلة ويميل لمواكبتها أكثر، مما يسهمُ في عملية التغير الاجتماعي.

الإجراءات المنهجية

أولًا: نوع الدراسة

تتبع هذه الدراسة نمطَ الدراساتِ الوصفيةِ التحليلية، لوصف وتحليل تحوّلات الحبّ في ثقافةِ المجتمع السعودي كما تعكسها الأغنيةُ السعودية لرصد أهمّ أنماطه وتحولاته.

ثانيًا: منهج الدراسة

اعتمدت الدراسةُ على منهج تحليل المحتوى.

ثالثًا: مجتمع وعينة الدراسة

يتمثلُ مجتمعُ الدراسة من الأغاني السعودية، وعن طريق القرعة وقعَ الاختيار على الفنان "محمد عبده "من ملف "ألحان سعودية" التابع لهيئة الموسيقى بوزارة الثقافة السعودية، وبناءً على ذلك حُددت الأغاني للفنان "محمد عبده" والبالغ عددها (١١٣) أغنية، واستخدمت الدراسة الحالية عينةً غرضية مقصودة، طبقت على الأغاني السعودية للفنان "محمد عبده". ولرصد التحولات وبما يُحققُ أهدافَ الدراسة صُنّفت الأغاني إلى حقبتين زمنيتين: الستينات وحتى أواخر الثمانينات (١٩٦٠-١٩٨٩) وبلغ عددها (٤٥) أغنية، والألفية (٢٠٠٠-٢٠٢٣) وبلغ عددُها (٤٥) أغنية، ليصبح العدد الكليّ (٩٠) أغنية.

رابعًا: حدود الدراسة

‌أ-     الحدود الموضوعية: يقتصرُ موضوعُ الدراسة على إيضاح تحوّلات الحب في ثقافة المجتمع السعودي مِن خلال معرفةِ النّصوص الشعرية المعززة لقيم الحب الصلب والسائل في الأغاني السعودية لدى الفنان" محمد عبده".

‌ب- الحدود المكانية: أُجريت الدراسة في المجتمع السعودي.

‌ج-  الحدود الزمنية: فترة جمع البيانات 13/11/2023م.

خامسًا: أداة الدراسة

استخدمت الدراسةُ استمارة تحليل المحتوى بوصفها أداةً رئيسةً لجمع البيانات، وتحوي جداولُ التفريغ على محورين، وهما: مظاهر الحبّ الصلبِ في ثقافة المجتمع السعودي كما تعكسُها الأغنيةُ السعودية في الفترة (١٩٦٠-٢٠٢٣) ومظاهر الحبِّ السائلِ في ثقافة المجتمع السعودي كما تعكسها الأغنيةُ السعودية في الفترة (١٩٦٠-٢٠٢٣).

وقد مرَّت عمليةُ تصميم بطاقة تحليل المحتوى بمراحلَ وخطواتٍ على النحو الآتي:

‌أ-     صياغة محاور البطاقة وعناصرها: وذلك وفقَ أهدافِ وتساؤلاتِ الدراسة، وقد اختيرت المحاور من أدبياتِ الدراساتِ السابقة التي اهتمَّت بتحوّلات الحبّ وقيمه، وكذلك وفقًا لافتراضاتِ نظرية الحداثة السائلة.

‌ب- -تحكيم بطاقة تحليل المحتوى: تمّ عرضُ بطاقةِ تحليل المحتوى على المحكمين من الخبراءِ في مجال علم الاجتماع، للتأكّد من ترابط عبارات البطاقةِ مع محاورها ولإبداء رأيهم تجاهَ فقرات البطاقة للتأكد من سلامتها وأنها تقيسُ ما وُضعت لقياسِه في تحقيق الأهداف والإجابةِ عن التساؤلات وتم الأخذ بملاحظاتهم.

‌ج-  ثبات بطاقة تحليل المحتوى: استخدمت الدراسةُ إعادةَ الاختبار في فترتين مختلفتين عن طريقِ اختيارٍ عشوائي للأغاني بلغَ عددُها (٣٢) أغنيةً سعودية وحساب بياناتها وتصنيفها، وأعيد سحب البطاقات بعد مرور (7) أسابيع، ولحساب قيمة الثبات استخدمت الدراسةُ معادلةَ الثباتِ التوافقي لتكون قيمة الثبات (0.84%) وهي قيمةٌ عاليةٌ تشير إلى ثبات الأداة وصلاحيتها في تحليل الأغاني السعودية.

‌د-   وحدة التحليل (تطبيق أداة الدراسة): طَبَّقت الدراسةُ أداة تحليل المحتوى على الأغاني السعودية للفنان محمد عبده، وحددت وحدةَ الموضوع -النصوص الشعرية- التي تناولت تعزيزَ قيمِ الحب الصلب والسائل في المجتمع السعودي باعتبارها وحدةً أساسية للتحليل، مع الاستماع للأغاني السعودية وقراءةِ محتواها لتحديد القيم التي ظهرت في الأغاني، كما صممت الدراسةُ مقياسًا لتدرّج حجمِ استخدام النصوص المعززة لقيم الحبّ المستخدمة في الأغاني السعودية للفنان محمد عبده ومعرفةِ دلالاتها الاجتماعية، باتباع خطواتٍ منهجية وذلك مِن خلال حساب عدد التكرارات للفئات (٩٠) تكرارًا ومن ثم قسمتها على (8) وهي جميع فئات بطاقة التفريغ، وبلغ الناتج (11.25) وهو المتوسط، وللحصول على المتوسط غير المتحيز قسم المتوسط العام على (2) وكانت النتيجة تساوي (5.6) وتم تقريبُها إلى عددٍ صحيح وعليه تصبح المسافةُ تساوي (5) وبناءً عليه توصلت الدراسة إلى تصميم يقيس قيم الحب في الأغاني السعودية؛ لتصبح الدلالةُ الاجتماعية لنتائج الدراسة على النحو الآتي:

-      صفر= لا يوجد استخدام للنصوص الشعرية المعزّزة لقيم الحب الصلب والسائل في الأغاني السعودية.

-      من ١-٦= استخدام النصوص الشعرية المعزّزة لقيم الحب الصلب والسائل في الأغاني السعودية نادر.

-      من ٧-١٢= استخدام النصوص الشعرية المعزّزة لقيم الحب الصلب والسائل في الأغاني السعودية متوسط.

-      أعلى من ١٣= استخدام النصوص الشعرية المعزّزة لقيم الحب الصلب والسائل في الأغاني السعودية عالٍ.

سادسًا: المعالجة الإحصائية

اعتمدت الدراسة لتحقيق الأهداف على الإحصاء الوصفي: التكرار ومعدل النسبة المئوية؛ للتأكد من مدى كفاية النصوص الشعرية (الأغاني السعودية) في تعزيز مظاهر الحب الصلب والسائل في المجتمع السعودي.

عرض وتحليل بيانات الدّراسة الميدانية

أولًا: مظاهر الحب الصلب في ثقافة المجتمع السعودي كما تعكسها الأغنية السعودية في الفترة (١٩٦٠-٢٠٢٣)

كشفت الدراسةُ الميدانية، مِن خلال فحص المحتوى للأغاني السعودية على حسب الفترات الزمنية، أنَّ الأغاني السعودية بمختلف أجيالها عززت من قيم الحبّ الصلب المتين والمستدام الذي يلتزمُ به الطرفان لتحقيق احتياجاتهما للبقاء معًا، مما يوضح قيمَ وتصوراتِ الأفراد المتعلقة بعلاقاتهم الاجتماعية، وهو ما يتبيَّن في الجدول رقم (1):

جدول رقم (1): يوضح قيم الحب الصلب في ثقافة المجتمع السعودي كما تعكسها الأغنيةُ السعودية في الفترة (1960-2023)

<div><table><div align="right"></div><thead><tr><td width="253"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">القيمة<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="68"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">الجيل<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="68"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">ك<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="68"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">٪<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="201"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">الدلالة الاجتماعية<o:p></o:p></span></b></p></td></tr></thead><tbody><tr><td width="253" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span><span lang="AR-SA"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span>1- تعبر عن قيمة الإخلاص.<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الستينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">0<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">0<o:p></o:p></span></p></td><td width="201" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">عالٍ<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">السبعينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">4<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">27٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الثمانينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">2<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">13٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الألفية<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">9<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">60٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">المجموع<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">15<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">100٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="253" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span><span lang="AR-SA"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span>2- تعزيز قيمة الصبر<o:p></o:p></span></p><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">(التمسك بالعلاقة).<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الستينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">1<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">11٪<o:p></o:p></span></p></td><td width="201" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">متوسط<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">السبعينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">2<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">22٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الثمانينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">5<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">56٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الألفية<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">1<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">11٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">المجموع<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">9<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">100٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="253" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span><span lang="AR-SA"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span>3- تعزيز قيمة التضحية.<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الستينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">0<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">0٪<o:p></o:p></span></p></td><td width="201" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">نادر<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">السبعينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">0<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">0٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الثمانينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">0<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">0٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الألفية<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">3<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">100٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">المجموع<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">3<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">100٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="253" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span><span lang="AR-SA"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span>4- تعزيز قيمة الصراحة.<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الستينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">2<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">11٪<o:p></o:p></span></p></td><td width="201" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">عالٍ<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">السبعينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">1<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">5٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الثمانينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">5<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">26٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الألفية<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">11<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">58٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">المجموع<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">19<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">100٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="321" colspan="2" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">المجموع<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">46<o:p></o:p></span></p></td><td width="269" colspan="2" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">100٪<o:p></o:p></span></p></td></tr></tbody></table></div>

يُلاحَظُ مِن بياناتِ تحليل المحتوى للأغاني السعودية أنَّ محتوى الألبومات الغنائية دلّت على تماسك العلاقات وصلابتها لدى مختلفِ الأجيال، وقد استندت الأغاني على افتراضاتِ نظرية الحداثة السائلة، وذلك بتأكيدِ الحب الصلب والمتماسك مِن خلال تعزيز قيمة الإخلاص والصبر والتضحية والصراحة، ويتَّضح ذلك من مجموع التكرارات للقيم التي ورَدَت في الأغاني على النحو الآتي:

- تشير البيانات إلى أنَّ الأغاني التي أكَّدت قيمةَ الصراحة كانت عالية وأن حوالي (58%) مِن أغاني جيل الألفية تؤكد قيمة الصراحة بنسبةٍ أعلى مقارنةً ببقية الأجيال حيث بلغت نسبتها (٢٦٪) لدى جيل الثمانينات، وبلغت (٥٪) لدى جيل السبعينات، وبلغت (١١٪) لدى جيل الستينات؛ وذلك مؤشرٌ على ارتفاعِ قيمةِ الصراحة لدى أغاني جيل الألفية في الإفصاحِ عن المشاعر والتحدياتِ التي يواجهها الأفراد أمامَ الطرف الآخر بمنأى عن الغموض، ومن الأمثلةِ التي تؤكّد ذلك أغنية (مذهلة) للشاعر الأمير عبدالرحمن بن مساعد الصادرة عام ٢٠٠٣م:

"ليه أنا عيني تشوف وما تشوف إلا بهاكِ"

التي تُظهر قيمةَ الصراحة في التعبيرِ عن المشاعر، بما يعكس شعورًا بالاكتفاء بالطرف الآخر. وهنا تُقدمُ الصراحةُ بوصفها قيمةً صلبة في مواجهة الغموض والهشاشة التي تتّسمُ بها العلاقاتُ في المجتمع السائل، لتصبحَ مرادفًا للثباتِ والوضوح العاطفي. بينما تنخفض هذه القيمة لدى أغاني جيل الثمانينات، السبعينات، الستينات، وذلك مؤشرٌ على تأثير ثقافة المجتمع في تلك الفترةِ الزمنية، التي تشجّع على كتم مشاعر الحبّ؛ لأنها تُعدّ من الموضوعات التي تتعارض مع الأعرافِ والتقاليد، وذلك من شأنه أن يُسهِم في تشكيل نمط الحبّ الخياليِ الرُّومانسي على حدّ تعبير العالمة إيفا إيلوز Eva Illouz""  التي تصفه بأنّه عاطفةٌ استباقية يحتوي على سيناريوهات عاطفيةٍ وثقافيةٍ مدروسة جدًا، والتي تمثل الشوقَ لكلّ من العاطفة وللحياة الجيّدة المصاحبة لها، وكذلك يُعتبر رمزًا للجنون إذ يتحوّل الحبّ إلى عاطفة غير عقلانية وُلدت من تلقاء نفسها، غافلةً عن هُوية الشخص المحبوب (مرام، 2023)، ومن هنا قد يكون لثقافةِ المجتمعِ السعودي دورٌ في تشكيل الحبّ الخياليّ الرُّومانسيِّ فقد عُرف المجتمع السعودي بميله إلى المحافظة كما أسهمت الضغوطُ الاجتماعية والثقافية والتنشئة في كبتِ مشاعر الحبّ ممّا يؤدي إلى ظهور السيناريوهات غيرِ الواقعية التي يتخيلها الفردُ مُتنفَّسًا للتعبير عن تلك المشاعر المكبوتة التي تأخذ شكلًا مبالغًا في التعبيرِ عنه، فكلُّ هذه التخيلات والسيناريوهات قد تكون مع شخصٍ ليس له وجودٌ حقيقي. وفي المقابل تُسهم الإعلانات التي تظهر على شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي والأغاني والأفلام في الترويج لهذا النوع من الحب وتعزز ظهوره مما قد يؤدّي إلى ظهور العديد من الأفكار والسلوكيات والمشاعر السلبية ومنها خيبةُ الأمل لدى الفرد عندما لا تتوافقُ تلك التخيلات مع الواقع، ومن الأمثلة على ذلك أغنية (خاصمت عيني) للشاعر طاهر زمخشري الصادرة عام 1963م:

"وفضلت أفكر بس في مين

وسألت عيوني بتبكي ليه وعلى مين"

يتبيّن من خلال الاقتباس أنّ الفرد يحمل العديدَ من المشاعر والخيالات تجاه شخصٍ مجهولِ الهوية ليس له وجودٌ حقيقي، ما يعكسُ تصورًا عن نمطِ الحبِّ الخيالي الرومانسي، إذ ترتكز بعضُ العلاقات على التصورات العاطفية والخيال.

- تشير البياناتُ إلى أنَّ حجمَ استخدامِ النصوص الشعرية التي تُعزز قيمةَ الإخلاص في الأغاني السعودية عاليةٌ حيث جاءت بالمرتبة الثانية، ولقد كانت النسبة الأعلى لدى أغاني جيلِ الألفية حيث بلغت (٦٠٪) مقارنةً ببقية الأجيال، بينما بلغت نسبتها (13%) لدى أغاني جيل الثمانينات وبلغت (٢٧٪) لدى جيلِ السبعينات، وتشيرُ تلك المؤشرات إلى أنَّ الأغاني تعزز قيمةَ الإخلاص في الحياةِ المعاصرةِ التي تتسم بالسرعةِ واستبدالِ العلاقات، كما تقوم الثقافةُ والتنشئةُ الاجتماعية بعملية تنميطِ وتشكيلِ عواطف وأفكار وقيم الأجيال المتعلقة بالحبّ، وهذا الارتفاع الملحوظ بين جيل الألفية مقارنةً بجيل الثمانينات والسبعينات يؤكدُ على عمقِ وتجذّرِ قيمة الإخلاص في عواطف وذهنية الأفراد باعتباره من المشاعر البديهية المقترنة بالحب التي شكلتها الثقافة لذا لم تظهرْ كثيرًا في أغاني السبعينات والثمانينات على العكس لدى جيلِ الألفية الذي يحظى بتنوّع في وسائل تكوين العلاقات واكتساب قيم الحبِّ من مختلف الثقافات وكذلك ديموقراطية العواطف التي تسمحُ بتشييدِ وإلغاءِ العلاقات وتبدلها من حالٍ إلى حال في عصر السّيولة، تأتي الأغاني التي تعكسُ قيمةَ الإخلاص، حتى في سياق العلاقات المنتهية، لتعبّر عن قيمةٍ ثابتةٍ في مواجهة الانفلات العاطفي الذي يميّزُ نمطَ الحبِّ السائل، إذ تعملُ على الحفاظ على هذه القيمة كردَّ فعلٍ لاسيّما في ظل ظهور المنشورات في منصات التواصل الاجتماعي التي تروّج للفردانية والاستغناء، ومن الأمثلة على ذلك أغنية (الأماكن) من كلمات الشاعر منصور الشادي الصادرة عام 2005م:

" كل شيء حولي يذكرني بشيّ

حتى صوتي وضحكتي لك فيها شيّ

لو تغيب الدنيا عمرك ما تغيب…"

وفي موضع آخر:

"الأماكن اللي مريت أنت فيها..

عايشة بروحي وأبيها.. بس لكن ما لقيتك"

والشاعر إبراهيم خفاجي في كلمات (أنت محبوبي) الصادرة عام 1976م:  

"لآخر لحظة من عمري أقلك أنت محبوبي

وحبك في دمي بيجري "

في سياق غنائي يوضّحُ مدى تأثيرِ الإخلاص والوفاء في العلاقاتِ المنتهية، مؤكدةً على الالتزام بالقيم العاطفية حتى بعد انتهاء العلاقة، في مقابلِ الهشاشة التي تُهمين على الروابط الاجتماعية في نمط الحب السائل، حيث تأتي قيمةُ الإخلاص سمةً رئيسةً في نمطِ الحبّ الصلب.

في المقابلِ جاءت بالمرتبة الثالثة قيمةُ الصبر، وتشير البيانات إلى أنَّ حجمَ استخدامِ النصوص الشعرية المعزّزة لقيمة الصبرِ في الأغاني السعودية كانت متوسطة، حيث جاءت لدى أغاني جيل الثمانينات بنسبة (٥٦٪) كأعلى نسبةٍ بين الأجيال، بينما بلغت (٢٢٪) لدى جيل السبعينات، وجاءت على التوالي لدى جيل الستينات والألفية بنسبة (١١٪) ومن الأمثلةِ على ذلك أغنية (أنا المولع بها)، للشاعر إبراهيم خفاجي الصادرة عام 1983م:

"بصبُر والصَّبُر يفتح الباب"

ويُعزى ذلك إلى أنَّ ثقافةَ المجتمعِ السعودي والبيئة الاجتماعية أثرتا نسبيًا في ذهنيةِ وقيم الأفراد المرتبطة بالحبّ من ناحية التقبّل والتحمّل والتسامح والتمسكِ بالعلاقة، وجسّدت في الأغاني باعتبارها أداةً ثقافية تنقل الأفكار والقيم، كما أنَّ الدين الإسلامي يحثُّ على قيمة الصبر وذلك من شأنه أن يؤثّر على معتقدات وسلوكيات الأفراد في الحياة اليومية وفي علاقاتهم الاجتماعية.

- تشيرُ البياناتُ إلى أنَّ حجمَ استخدامِ النصوص الشعرية المعزّزة لقيمة التضحية في الأغاني السعودية كانت نادرة، وقد اقتصرت على أغاني جيل الألفية حصرًا بنسبةِ (١٠٠٪)، ومن الأمثلة على ذلك أغنية (رماد المصابيح)، للشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن الصادرة عام 2٠١٧م:

"من رماد المصابيحْ.. اللي انطفت في الريحْ..

جيتك أنا وقلبي..

ومن سهاد المواويلْ.. وباقي قصيد الليلْ..

جيتك قمر دربي..

فيني تعب.. لا والله أكثر..

حالي صعب.. لا والله أكثر."

تشير الكلماتُ إلى الفقد والألم، خاصةً مع تكرار كلمة "ليل" دلالةً على الانتظار والوحدة، وهنا تظهر التضحيةُ في الانتظار وتحمل الألم في ظلّ انتهاء العلاقة والفقد.

وفي ظلّ تلك المؤشرات يتّضحُ أنَّ التحولات التي طرأتْ على البناءِ الاجتماعي أثرت نسبيًا على قيم الحب الحديثة لدى أغاني جيلِ الألفية، وفي المقابل بعضُ أغاني جيل الألفية ما زالت تعزّزُ التمسك بقيم الحبّ التقليدية وبفضل تأثير ثقافة المجتمع التي تحثُّ على التضامنِ والتضحيةِ مما أثّر نسبيًا على قيمِ ورؤى الأفراد المتعلقة بالحبّ والإيثار وبذل النفس في سبيل الحفاظ على العلاقة.

وبشكلٍ عام وبالنَّظر إلى الدلالة الاجتماعية يتَّضح أنَّ الأغاني عزّزت من قيمتي الصراحة والإخلاص تعزيزًا عاليًا، بينما عززت مِن قيمة الصبر تعزيزًا متوسطًا، ولقد عززت مِن قيمة التضحية تعزيزًا نادرًا.

ثانيًا: مظاهرُ الحب السائل في ثقافة المجتمع السعودي كما تعكسها الأغنيةُ السعودية في الفترة (١٩٦٠-٢٠٢٣)

كشفت الدراسةُ الميدانية مِن خلال فحص محتوى الأغاني السعودية حسب الفترةِ الزمنية التي صدرت بها، أنَّ الأغاني بمختلف أجيالها عزَّزَت من قيم الحبّ السَّائل غير الثابت الذي تتغيرُ فيه مشاعر الطرفان باستمرار ولا يلتزمُ به الطرفان لمختلَف الأسباب، ممَّا وضح ذلك قيمُ وتصوراتُ وأفكار الأفراد المتعلّقة بعلاقاتهم الاجتماعية، وأنَّ الأغاني عزَّزت من قيم الحب السائل من خلال افتراضاتِ نظرية الحب السائل، وهو ما يتبيَّن من الجدول الآتي رقم (2):

جدول رقم (2): يوضّح قيم الحب السائل في ثقافة المجتمع السعودي كما تعكسها الأغنية السعودية في الفترة (1960-2023)

<div><table><div align="right"></div><thead><tr><td width="253"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">القيمة<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="68"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">الجيل<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="68"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">ك<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="68"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">٪<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="201"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">الدلالة الاجتماعية<o:p></o:p></span></b></p></td></tr></thead><tbody><tr><td width="253" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span><span lang="AR-SA"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span>1- قيمة القلق.<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الستينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">1<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">25٪<o:p></o:p></span></p></td><td width="201" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">نادر<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">السبعينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">1<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">25٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الثمانينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">1<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">25٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الألفية<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">1<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">25٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">المجموع<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">4<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">100٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="253" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span><span lang="AR-SA"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span>2- تعبر عن الروابط الفضفاضة.<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الستينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">2<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">13٪<o:p></o:p></span></p></td><td width="201" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">عالٍ<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">السبعينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">0<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">0٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الثمانينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">7<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">47٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الألفية<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">6<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">40٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">المجموع<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">15<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">100٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="253" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span><span lang="AR-SA"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span>3- تعبر عن حالة من الغموض.<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الستينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">1<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">8٪<o:p></o:p></span></p></td><td width="201" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">متوسط<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">السبعينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">1<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">8٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الثمانينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">2<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">17٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الألفية<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">8<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">67٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">المجموع<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">12<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">100٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="253" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span><span lang="AR-SA"><span dir="RTL"></span><span dir="RTL"></span>4- تعبر عن الاستغناء.<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الستينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">4<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">29٪<o:p></o:p></span></p></td><td width="201" rowspan="5" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">عالٍ<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">السبعينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">2<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">14٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الثمانينات<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">1<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">7٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">الألفية<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">7<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">50٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><b><span lang="AR-SA">المجموع<o:p></o:p></span></b></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">14<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">100٪<o:p></o:p></span></p></td></tr><tr><td width="321" colspan="2" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">المجموع<o:p></o:p></span></p></td><td width="68" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">45<o:p></o:p></span></p></td><td width="269" colspan="2" valign="top"><p class="TableCell" dir="RTL"><span lang="AR-SA">100٪<o:p></o:p></span></p></td></tr></tbody></table></div>

يُلاحَظ من بيانات تحليل محتوى الأغاني السعودية أنّها تضمّنت كلماتٍ ورموزًا سواءً كانت كامنةً أم ظاهرة إلا أنها دلّت في جوهرها على هشاشةِ العلاقات الاجتماعية لدى مختلف الأجيال، إذ في ظل المجتمع الاستهلاكي الحديث وما سبّبته ثقافة الحداثةُ السائلة من تحوّلات مَسَّت البناءَ الاجتماعي للحبّ، أثّرَت في قيم الحب نسبيًا، وقد استندت الأغاني السعودية على افتراضاتِ نظريةِ الحداثةِ السائلة في تناولها للحب السائل وهشاشة الروابط الاجتماعية، وذلك مِن خلال تعزيز قيمِه المتمثلةِ في القلق والروابط الفضفاضة والغموض والاستغناء، ويتَّضح ذلك من مجموع التكرارات للقيم التي وردت في الأغاني على النحو الآتي:

- تشير البيانات إلى أنَّ حجم استخدام النصوص الشعرية المعزّزة للروابط الفضفاضةِ في الأغاني السعودية كانت عالية، وأنَّ حوالي (47%) من أغاني الثمانينات، وبنسبة (40%) من أغاني الألفية عبرت عن الروابط الفضفاضة وذلك جاء بعكس أغاني الستينات بنسبة بلغت (13%) بينما أغاني السبعينات (0%)، ويشير ذلك إلى فترة انتشار وسائلِ التواصل الاجتماعي التي أتاحت الفرصة للحب الافتراضي الذي يتميز باستناده على روابط هشة سريعة الانكسار فهو يعتبر ظاهرةً من نتاج العولمة، كما أنّ الواقع الافتراضي قرّب المسافات الجغرافية وفي ذات الوقت أتاحَ فرصةً أكبر وأسرع لاستبدال العلاقاتِ وإنهائها من خلال الحذف والحظر، وكذلك تسليع الحبّ وتشييئه، وظهور الفرص الجديدة التي تمكّنُ الأفرادَ من تجربةِ العلاقات وتحقيق المكاسب وراء العلاقات المؤقتة والعابرة ممّا يؤدي إلى نشوء العلاقات المبهمة.

وفي الوقتِ الراهنِ يتمّ تسويق الحُبّ في العالم الاستهلاكي الرقمي بشكلٍ واسع ومتكرر على مختلف المجالات الإنتاجيةِ من أغانٍ بمختلف اللغات والتصنيفات الفنية، كما يتم أيضًا تسويق المحبوب والقابلية للحبّ، مما ينعكس على العلاقاتِ في الحياة الواقعية ويجعل مفهومَ الحبّ أكثر سطحيةً وابتعادًا عن ماهية الحبّ نفسها؛ فعلى أحدِ الطرفين أن يكون ناجحًا جديرًا بالحبّ، وينعكس ذلك على عمله وملابسه وممتلكاته وبعض صفاته، وللطرف الآخر أن يكون جميلًا جذابًا مواكبًا لآخرِ صيحات الموضة (أحمد، 2024) وكلُّ ذلك من شأنه أنّ يحققَ المكاسبَ الاجتماعيةَ من العلاقة الاجتماعية والحبّ وذلك نتيجةً لتأثيرات الرأسمالية المعاصرة على بناء قيم الأفراد المتعلقة بالحبّ مما قد يحوِّل الفردَ إلى مجرد سلعة ولقد جسدت بعض الأغاني هذا النمطَ من الحب.

ويظهر هذا النمط في أغنية المقهى، للشاعر نزار قباني الصادرة عام ٢٠١٨م إذ يُقدَّم الحب بوصفه لحظةً استهلاكيةً عابرةً داخل فضاءٍ عام يرتبط بالموضة والاستهلاك والترفيه، فالعلاقة تُختزل في ابتسامة أو فنجان قهوة، كما في قوله:

"هي من فنجانها شاربة.. وأنا أشرب من أجفانها...

من أنا خلّي السؤالات أنا.. لوحةٌ تبحث عن ألوانِها

موعدًا سيدتي وابتسمتْ.. وأشارت لي إلى عنوانِها

وتطلّعتُ فلم ألمحْ سوى.. طبعةَ الحمرةِ في فنجانِها "

يُحوّل هذا التمثيل الحبَّ إلى صورة جماليةٍ قابلةٍ للتداول والاستهلاك على الرغم من افتقاره إلى أسس حقيقية، فالإعجاب يتعمّق لحظيّا ويندمج في الوصف الآني، غير أنّه لا يلبثُ طويلًا، بل يتلاشى مع مغادرة المرأة، كاشفًا أنَّ ما جرى توصيفُه ليس حُبًا متجذّرًا بل انبهارٌ عابرٌ وفضفاض يفتقرُ إلى الجذور والامتداد. ومن زاويةٍ أخرى تُشكِّل قيمةُ الاستغناء إحدى السمات البنيوية للعلاقاتِ في المجتمع السَّائل كما وصفه عالمُ الاجتماع باومان، حيث يُستعاض عن المواجهةِ المباشرةِ أو الالتزام المستمر بآلياتٍ أكثر هشاشة، مثل الانسحاب أو الصمت باعتباره وسيلةً لإنهاء العلاقة. ويكشفُ تجسيدُ هذا النمطِ في أغنية (عالي السكوت) للشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن الصادرة عام ٢٠١٦م:

"لا تقول أحبك لا تقول.. عالي السكوت ما أسمعك"

يتبدّى الاستغناءُ هنا بوصفِه فعلًا صادرًا عن الآخر كما في هذا الاقتباس:

"تذكّر في يوم الفراق

لما وقفت أودعك...  وتركتني الله معك".

فالراوي يتموضعُ للاستبعاد في مواجهة شريك يمارسُ الحضورَ والغيابَ على نحوٍ متقطّعٍ دون ثبات أو التزام. هذا النمطُ يعكسُ -في المستوى الرمزي- ما أشارَ إليه باومان في توصيفه للمجتمع السائل، حيث تُعاد صياغةُ العلاقاتِ على هيئة روابط هشَّة قابلةٍ للانفصالِ والاستهلاك السَّريع، وتصبح العلاقة فاقدةً لمركزها العاطفي وتغدو أقرب إلى فضاء متقلّبٍ يتّسمُ بالانسحاب والعودة أكثر من التماسك والاستمرار. من هنا، يمكن قراءة هذه التمثلات بوصفها تعبيرًا عن هشاشة الروابط الاجتماعية في زمن السيولة الحديثة، حيث يتحوّل الاستغناءُ إلى ممارسةٍ ثقافية متجذّرة، يصبحُ فيها إنتاجُ المشاعرِ ضمن منطق استهلاكي عابر.

كما أشارت البياناتُ إلى أنَّ استخدام النصوص الشعرية المعزّزة لحالة الاستغناء في الأغاني السعودية كانت عالية، ولقد جاءت بالمرتبة الثانية وظهرت بأعلى نسبةٍ لدى أغاني جيل الألفية بنسبة بلغت (50%) وذلك جاء بعكس أغاني الثمانينات بنسبة (7%)، وجيل الستينات بنسبة (28%)، وجيل السبعينات بنسبة بلغت (14%) ومن الأمثلة على ذلك أغنية (لنا الله) للشاعر إبراهيم خفاجي الصادرة عام ١٩٦٧م:

"كيف بعد المودة والمحبة صرتوا تنسوني"

وتبدو هذه التساؤلات ملفتةً كونها مغايرة تمامًا لقيمة الإخلاص، حيث تشير إلى تبدّلِ  المشاعر والاستغناء بعد مرحلةِ الحب والمودة، وهذه البيانات تشيرُ إلى أنَّ أغاني جيل الألفية تؤكّد على الانغماس أكثر في الذات مع تجاهل احتياجاتِ الطرفِ الآخر في العلاقة وعدم الاهتمام بديمومة العلاقة ويُعزى ذلك إلى تمتّع الأفراد بالفردانية في الزمنِ المعيش، وهو ما يُسمّى في نظرية السيولة "نظام الأنانية"، وكما تفترض أنَّ ذلك نتاجًا لما روّجت له الآلةُ الاستهلاكية من أنواعٍ حديثةٍ للحب والعلاقاتِ المؤقتة التي ليس لها حقوق وواجبات، وأصبحت أكثر تفككًا وهي التي  تندرجُ تحت مفهوم علاقات الجيب العلْوِي أيّ العلاقات غير القائمة على المسؤوليات بل القائمة على المتعة والمنفعة.

اتَّضح مِن البيانات أنَّ حجم استخدامِ النّصوص الشعرية المعبرة عن حالةِ الغموض التي تظهر في العلاقات الاجتماعية في الأغاني السعودية كانت متوسطة، حيث جاءت بالمرتبةِ الثالثة، وبلغت نسبةَ (67%) لدى أغاني جيل الألفية بينما بلغت نسبةَ (17%) من أغاني الثمانينات، وذلك جاء بعكس أغاني السبعينات والستينات بنسبة بلغت (8%)، ومن الأمثلةِ على ذلك أغنية (أنت معاي) للشاعر يوسف ناصر الصادرة عام 1988م:

"أنت معاي.. ولا أنت ناوي تبتعد عن خط سيري

أنت هواي.. ولا أنت عندك بالهوى محبوب غيري"

تعكس الأغنيةُ حالةً من الشكّ والحيرة بشأنِ مشاعر الطرف الآخر، إذ تتسمُ سلوكياته بالغموضِ وعدم الوضوح فيما يتعلّقُ بمشاعرِه وبتحديد طبيعة العلاقة مع الطرف الأول، ممّا يؤدّي إلى التساؤل حول مدى تبادله الحب من عدمه.

وفي ظلِّ تلك المؤشرات يتَّضح أنَّ أغاني جيل الألفية أكثر تأثرًا بالحياة المعاصرة التي غيّرت بعض ملامح الحياةِ الاجتماعيةِ التقليدية في المجتمع السعودي نسبيًا، فتعولمت العواطف وخاصةً الحبّ، فالحياة المعاصرة تشجّعُ على الحريّة مما نَتَجَ عن ذلك تغيرات مَسَّت مفهوم العلاقات وقيم الحبّ، وذلك من شأنه أنّ يؤدي إلى نشوءِ العلاقات الغامضة التي تتسمُ بالحيرة وعدم الوضوح في النيّات والمشاعر ممَّا يؤكّد على هشاشةِ الروابط والعلاقات الاجتماعية في عالم الميوعة.

إنَّ حوالي (25%) مِن أغاني جيل الستينات إلى الألفية عزَّزت من قيمةِ القلق حيث جاءت بالمرتبةِ الرابعة، ولقد أشارت البياناتُ إلى أنَّ حجمَ استخدام النصوص الشعرية المعزّزة لقيمةِ القلق في الأغاني السعودية كانت نادرة، ويتَّضحُ ذلك مِن خلال الأغاني التي أكَّدت على الشعور بالقلق والحيرة والخوف ومن الأمثلة على ذلك أغنية (الله العالم) للشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن الصادرة عام (2009):

"وين يأخذنا الهوى.. الله العالم

يا ترى جرح أو دوا.. الله العالم…

ليه نسأل والسفر في بداياته..

المهم نبعد كثير عن نهاياته"

وتعكسُ هذه الكلماتُ حالةً من التوتّرِ وعدم اليقين في العلاقات، ما يُبرز هشاشةَ الروابط الاجتماعية وصعوبة التنبؤ بمآلاتها، بما يتوافق مع مفهومِ الحبّ السائل لدى العالم باومان، حيث تسودُ الحالةُ المؤقتة والانفلات العاطفي على  الثبات والالتزام، وتشير تلك البياناتُ إلى أنَّ قيمة القلق في العلاقاتِ الاجتماعية ليست متعلقةً بفترةٍ زمنية معينة كما تفترض نظريةُ الحداثة السائلة، ويُعزى ذلك إلى أن َّالتحولات التي طرأت على البناءِ الاجتماعي في الحياة المعاصرة وما نتج عنها من تحدّياتٍ وفرصٍ جديدة أمام الأفراد ليست لها صلة بنشوء القلق والشعور بالمخاوف المتعلقةِ بالعلاقة ومستقبلها.

وبشكلٍ عامٍ وبالنّظر إلى الدلالةِ الاجتماعية يتبيَّن أنَّ الأغاني عزّزت الروابطَ الفضفاضةَ والاستغناء تعزيزًا عاليًا، بينما عزّزت حالةَ الغموض تعزيزًا متوسطًا، ولقد عززت من قيمة القلق تعزيزًا نادرًا.

نتائج الدراسة ومناقشتها

ما مظاهر الحب الصلب في ثقافة المجتمع السعودي كما تعكسها الأغنية السعودية في الفترة (١٩٦٠-٢٠٢٣)؟

وضحَّت نتائجُ الدّراسة أنَّ الأغاني رصدت مظاهرَ الحبّ الصلب وعزَّزَت تماسكَ العلاقات وصلابتها لدى مختلفِ الأجيال باعتبارها أداةً ثقافيةً تنقل القيم، وهذه المظاهر تتمثلُ في:

-      تعزيز قيمةِ الصراحة تعزيزًا عاليًا مِن خلال الإفصاح عن المشاعرِ والتحديات بمنأى عن الغموض كأعلى نسبة لدى أغاني جيل الألفية وذلك يتوافق مع التغيرات الحاصلة في المجتمع، وتنخفض هذه القيمة لدى جيل الثمانينات، السبعينات، الستينات ممَّا يؤكدُ على تأثير ثقافة المجتمع السعودي المحافظ في كتمِ مشاعرِ الحبّ التي تتعارضُ مع التقاليد مما يسهُم في تشكيل نمط الحبّ الخياليِ الرُّومانسي، وكانت الأغاني وسيلةً للتعبير عن ذلك،

-      تعزيز قيمة الإخلاص تعزيزًا عاليًا، فقد حصلت على أعلى نسبةٍ لدى أغاني جيل الألفية وذلك ردَّ فعلٍ لتعزيز تلك القيمة في عصر يسمح بديموقراطية العواطف واكتسابِ قيم الحب من مختلف الثقافات، كما تقوم الثقافةُ والتنشئةُ الاجتماعية بعملية تنميطِ وتشكيلِ عواطف وقيم الأجيال المتعلقة بالحب، لذا لم تظهر قيمةُ الإخلاص في أغاني جيل الثمانينات والسبعينات كثيرًا باعتبارها من المشاعر البديهية المقترنةِ بالحب.

-      تعزيز قيمة الصبر تعزيزًا متوسطًا، حيث أخذت أعلى نسبةٍ لدى أغاني جيل الثمانينات وانخفضت لدى جيل الألفية، وذلك لتأثيرِ ثقافةِ المجتمع السعودي والبيئة الاجتماعية والدين الإسلامي في ذهنية وقيم الأجيال المتعلقة بالحبّ مِن خلال التسامح والتقبل.

-      تعزيز قيمة التضحية تعزيزًا نادرًا حيث اقتصرت على جيل الألفية مما يدّل على أنّ التحولات التي طرأت على البناء الاجتماعي أثّرَت في قيم الحب المعاصرة نسبيًا، بينما بعض أغاني جيل الألفية ما زالت تُعزز قيمَ الحب التقليدية لتأثرهم بثقافة المجتمع التي تحثُّ على بذلِ النَّفس في سبيل الحفاظ على العلاقة، وتتفق النتيجة مع (لطفي، 2018) التي أكَّدت أنَّ التنشئة الاجتماعية والمناخ الأسري يقومان بدورٍ مهمٍ في نسق قيم الحب لدى الأفراد، بينما اختلفت مع (حنان، 2022) التي أظهرت نتائجُها أنَّ العلاقات الاجتماعية خاصة الأسرية أصبحت أكثر هشاشة وعرضة للتفكك، واختلفت مع نظرية الحداثة السائلة التي تفترض أنَّ الحبّ تحوّل من حالة صلبة متماسكة تقوم على قيم الوفاء والإخلاص والتضحية التي تعتبر الروابط الأبدية إلى حالة من الذوبان والتراخي نتيجةَ سيطرت عدةِ عوامل ومنها العولمة والرأسمالية والعقلانية.

ما مظاهر الحب السائل في ثقافة المجتمع السعودي كما تعكسها الأغنية السعودية في الفترة (١٩٩٦-٢٠٢٣)؟

أظهرت نتائجُ الدراسة أنَّ الأغاني بمختلف أجيالها أكدت قيمَ الحبّ السائلِ الذي تتغيرُ فيه مشاعر الطرفان باستمرار مِمَّا وضَّحَ قيم الأفراد ورؤاهم المرتبطة بعلاقاتهم الاجتماعية، ورصدت الأغاني هشاشةَ العلاقاتِ في ظلِّ ثقافةِ الاستهلاك والحداثةِ السائلةِ وما سببته من تحوّلات مَسَّت البناءَ الاجتماعيّ للحبّ وأثرت في قيمه نسبيًا، وهذه المظاهر تتمثلُ في: تعزيزِ الروابط الفضفاضة تعزيزًا عاليًا، حيث جاءت بأعلى نسبة لدى أغاني جيل الثمانينات والألفية، بينما جاءت أدنى نسبةٍ لدى أغاني جيل السبعينات ولم تظهر في أغاني الستينات، وذلك يتوافقُ مع فترةِ انتشارِ وسائلِ التواصل الاجتماعي التي أتاحت الفرصة للحبّ الافتراضي، وتسليعِ الحبّ وتشييئه وتحقيق المكاسب وراء العلاقات، كلُّ ذلك من شأنه أن يسهم في نموّ الروابط الفضفاضة، وتعزيز حالةِ الاستغناء تعزيزًا عاليًا، حيث ظهرت أعلى نسبةٍ لدى أغاني جيل الألفية، وتعزيز حالة الغموض التي تظهر في العلاقات تعزيزًا متوسطًا، حيث كانت أعلى نسبة لدى جيل لألفية بينما جاءت منخفضةً لدى بقيةِ الأجيال وذلك يؤكد أنّ أغاني جيل الألفية وضّحت قيمَ الحب في الحياة المعاصرة التي أسهمت في عولمةِ عاطفة الحبّ وتبدّلها نسبيًا، ويؤكد كذلك هشاشةَ العلاقات في عالم الميوعة وعدمِ الوضوح في النيّات والمشاعر، وتعزيز قيمةِ القلق تعزيزًا نادرًا لدى مختلف الأجيال ممَّا يدلُّ على أنَّ التحوّلات التي مَسَّت البناءَ الاجتماعي في الحياة المعاصرة وما نتجَ عنها من تحدياتٍ وفرصٍ جديدة لدى الأفراد غير مرتبطة بصفة مباشرة بنشوءِ القلق والشعور بالمخاوف المتعلّقة بالعلاقة ومستقبلها، وتتفق النتيجةُ مع دراسة (همت، 2022) التي أكَّدت وجودَ أنماطٍ جديدةٍ من الحبّ السائل في الخطاب الروائي تتمثّلُ في نمطِ الحب الافتراضي والحب في إطار علاقاتِ الجيب العلوي وتشيؤ الحب وتسلعيه، وتتفقُ مع دراسة (حنان، 2022) التي توصَّلت إلى أنَّ المعاييرَ الاستهلاكية الحديثة أثَّرت في نظرةِ الأفراد للعلاقاتِ الاجتماعية نتيجةَ استغناء الأفراد عن الروابط الاجتماعية واكتفائهم بذواتهم، تتفقُ النتيجةُ مع نظريةِ الحداثة السائلة التي تفترض أنَّ الحب أصبح يتصفُ بالسيولة -أي التفكك والتراخي- بسببِ ضغط الحداثة والعولمة، أما فيما يتعلّق بقيمة القلق فقد اختلفت مع النظريةُ في افتراضها بأن العلاقات في الحياة المعاصرة فقدت الاستقرار مما زادَ قلقَ الإنسانِ المعاصر.

التوصيات

نؤكّد قبل سرد التوصيات على أنَّ الدراسةَ تحاولُ الاقترابَ من سلوك المجتمع عبر الأغاني الصادرة خلال العقود السابقة، لكنَّها لا تفرض نتائجَها بوصفها حقائق أو تعمِّمَها على جميعِ أفراد المجتمع. وانطلاقًا من نتائج الدراسة توصي الدراسةُ بكلِّ ما هو آت:

1.   أظهرت النتائج أنَّ الأغاني عززتْ من قيمِ الحبّ الصلب التي أكَّدت تماسك العلاقات الاجتماعية نسبيًا، وعززتْ من قيمِ الحبِّ السائل التي أكَّدت هشاشةَ العلاقات الاجتماعية نسبيًا، وذلك بفضل تأثير ثقافة المجتمع السعودي من ناحية وتأثير الانفتاح على الثقافاتِ والعولمة من ناحية أخرى لذا؛ توصي الدراسةُ بما هو آت:

‌أ-     ‌الاهتمام بإنتاج العديد من الأغاني التي تعزز القيمَ الأصيلة في العلاقات الاجتماعية والتي تعكس ثقافة المجتمع السعودي.

‌ب- الاهتمام بتشجيع الباحثين وتقديم حوافز معنوية ومادية لإجراء البحوث العلمية حولَ القيمِ الأصيلة في ثقافة المجتمع السعودي التي تعزِّزُها الأغاني، وتأثيرها على علاقات الأفراد للوصول إلى توصيات مفيدة تطبّقُ على أرض الواقع.

‌ج-  ‌الاهتمام بدعم الباحثين لإجراء دراسات للمقارنة بين مظاهرِ الحبِّ في الأغنية السعودية والأغنية العربية بشكلٍ عام لمعرفة الخصوصية الثقافية للحب في المجتمع السعودي.

2.   أظهرت النتائجُ أنّ الأغاني أكَّدت هشاشة العلاقات الاجتماعية في ظل ثقافة الاستهلاك نسبيًا لذا؛ توصي الدراسة، بما هو آت:

‌أ-     تفعيل دور الأخصائيين الاجتماعيين في نشرِ ثقافةِ الانفتاح العاطفي والإفصاح عن المشاعرِ والتحدِّيات التي يواجهها الأفراد.

‌ب- توصي الدراسة بإدراجِ موضوعات في المقررات الدراسية تُعنى بتنميةِ الذَّكاء العاطفي والاجتماعي مما يُسهم في تقويةِ العلاقات الاجتماعية وتوعية الأفراد في كيفية التعامل مع بعضهم البعض.

3.   استنتجت الدراسة أنّ التنشئةَ الاجتماعيةَ تقومُ بعمليةِ تنميط وتشكيل عواطف وقيم الأفراد لذا توصي بكل ما هو آت:

‌أ-     ضرورة اهتمام الأسرة بترسيخِ قيمِ الحبِّ الصلبِ كالوفاء والإخلاص والصراحة لدى أفرادها لحمايتهم من قيم الحب السلبية التي تجسدها الأغاني وتنشر في وسائل الإعلام.

‌ب- ضرورة الاهتمام بالحوار والإفصاح عن المشاعر والتحدّيات؛ لترسيخِ قيمةِ الصَّراحة لدى أفراد الأسرة.

4.   استنتجت الدراسة أنَّ الأغاني عززت من نمط الروابط الفضفاضة لدى جيل الثمانينات والألفية وذلك يتوافقُ مع فترة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي لذا توصي وزارة الإعلام بكل ما هو آت:

‌أ-     تكثيف الجهودِ في نشر قيم الحب الصلب الذي يشيد العلاقات الاجتماعية بطرق مبتكرة في مواقع التواصل الاجتماعي.

‌ب- العمل على تفعيل وسائل الإعلام المختلفة للإسهام بتوعية الأفراد من أخطار قيم الحب السائل الذي يهدد استقرارَ العلاقات الاجتماعية.

5.   استنتجت الدراسةُ أنّ الدين الإسلامي يؤثر في ذهنية وقيم الأفراد المرتبطة بعلاقاتهم الاجتماعية لذا توصي الدراسة بكل ما هو آت:

‌أ-     تكثيف الجهود في تثقيف أفرادِ المجتمعِ بأخطار التأثّر بالقيم الغربية المرتبطة بالعلاقات الاجتماعية السائلة المغايرة عن قيم الدين الإسلامي الذي يحثُّ على بناء العلاقات الاجتماعية السليمة، مما يسهم في تعزيز قيم الحب الصلب لدى الأفراد.

مقترحات الدراسة

إجراء دراسةٍ عن قيم الحب الصلب والسائل وعلاقتهما ببعض المتغيرات، مثل: المتغيرات الاجتماعية والثقافية والدينية، هشاشة العلاقات الاجتماعية، التنشئة الاجتماعية، العولمة، تسليع الحب، المكاسب الاجتماعية، وسائل التواصل الاجتماعي.

المراجع

-       آلان باديو (٢٠١٤). في مدح الحب، (غادة الحلواني، مترجم). دار التنوير للطباعة والنشر.

-       بادغيش، أحمد (2024). الحب كتجربة وجوديّة وبعيدة عن الأسطورة الفنيّة. منصة معنى الثقافية، 15/7/2024.  https://mana.net/the-philosophy-of-love/

-       باومان، زيجمونت (2016). الحب السائل، عن هشاشة الروابط الإنسانية. الشبكة العربية للأبحاث والنشر.

-       بوطرة، حنان (2022). الأسرة النواة في زمن العلاقات الاجتماعية السائلة. مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، م (8)، ع (3).

-       السالم، مرام (2023م). أنماط الحب المعاصرة في العلاقات الزوجية من منظور بعض علماء علم اجتماع العواطف دراسة نظرية. مجلة مستقبل العلوم الاجتماعية، ع (13)، م (1).

-       السيد، نهي. (2022). سوسيولوجيا ما بعد الحداثة: "زيجمونت باومان أنموذجا". مجلة البحث العلمي في الآداب، م (21)، ع (4).

-       الشقير، عبد الرحمن (2020). الذاكرة الشعبية. دار الروافد الثقافية، ناشرون.

-       عيسى، لطفي (2018). أنواع الحب في ضوء بعض المتغيرات الديموجرافية. المجلة المصرية للدراسات النفسية، م (28)، ع (9).

-       فرح، عبد الإله (2019م). الحب الافتراضي: مقاربة سوسيولوجية. مركز نهوض للدراسات والنشر.

-       فرح، عبد الإله (2022). قراءة في كتاب (لماذا يجرح الحب؟ تجربة الحب في زمن الحداثة). ميسون للثقافة والترجمة والنشر.

-       القحطاني، رجاء وبالبيد، آسية (2022). رؤية نقدية لنظرية السيولة لزيجمونت باومان. مجلة كلية الخدمة الاجتماعية للدراسات والبحوث الاجتماعية، ع (29).

-       محمد، همت. (2022). تغير مفهوم الحب في ظل الحداثة السائلة دراسة من منظور البنيوية التكوينية عند لوسيان جولدمان. مجلة الدراسات الإنسانية والأدبية، ع (26).

-       مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة. (2019). المسح الوطني للصحة النفسية. مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة.

-       Jackson, S (1999). Heterosexuality in Question. Sage Publications Ltd.

-       Johnson, Paul (2005). love, heterosexuality, and society (Routledge advances in sociology). Routledge.

اطّلع على منشورات أخرى

تم تسجيلك .. ترقب ضوء معرفة مختلفة!
عذرًا، أعد المحاولة